'إرث العراق' مازال يلاحقه.. توني بلير وخطة حكم غزة بعد الحرب
توني بلير، اسم يطفو من جديد على سطح الساحة السياسية الدولية، حيث كشفت مصادر مطلعة أنّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعمل على وضع ما أسمتها بـ'خطة سلام' يتولى خلالها رئيس الوزراء البريطاني السابق دورا بارزا في إدارة شؤون قطاع غزة.
وأشارت هذه المصادر إلى أن اسم بلير طُرح لرئاسة مجلس إشرافي يحمل اسم "السلطة الانتقالية الدولية لغزة"، وفق ما نقله موقع العربية عن صحيفة "فاينانشال تايمز".
وأضافت أن بلير، الذي شغل منصب مبعوث الشرق الأوسط بعد مغادرته رئاسة الوزراء البريطانية، يعمل منذ عدة أشهر بشكل فردي على الترويج لخطة لإنشاء "وصاية دولية" لإدارة غزة بعد انتهاء الحرب.
وأكد شخص مطلع على المناقشات أن الولايات المتحدة تسعى لأن يلعب المسؤول البريطاني السابق دورًا في الترتيبات الانتقالية في غزة.
وكان بلير قد شارك في اجتماع عُقد أواخر أوت الماضي برئاسة ترامب لمناقشة حرب الاحتلال في غزة وخطط ما بعد الحرب للمنطقة.
أتى ذلك، بعدما انخرط معهد توني بلير في جوان الماضي بمناقشة مشروع لوضع خطة لما بعد الحرب في غزة. وكشفت مصادر حينها أن موظفي بلير شاركوا في مشروع "ريفييرا غزة" بالتعاون مع شركة BCG، حسب الصحيفة.
إلا أن المعهد أكد وقتها أن أياً من محادثاته مع مختلف الجهات بشأن إعادة إعمار غزة بعد الحرب لم تتضمن فكرة الترحيل القسري للسكان.
وأفادت المصادر ذاتها أنّ نجاح هذه الخطة يبقى رهين مخرجات لقاء رئيس وزراء الكيان المحتل الصهيوني بنيامين نتنياهو بالرئيس الأميركي ترامب في واشنطن الاثنين المقبل.

تفاصيل خطة 'حكم غزة'..
وفق صحيفة 'تليغراف' البريطانية، عرض بلير رئاسة حكومة مؤقتة في غزة بشرط تسليم السلطة في نهاية المطاف إلى السلطة الفلسطينية.
وتتضمن الخطة إنشاء إدارة مؤقتة تسمى السلطة الدولية الانتقالية في غزة 'GITA'، تحت رعاية الأمم المتحدة وستعمل كسلطة حاكمة في غزة بعد الحرب لمدة قد تصل إلى 5 سنوات.
وستضم 'GITA' مجلس إدارة يتألف من 7 إلى 10 أعضاء، من بينهم ممثل فلسطيني واحد على الأقل ومسؤول كبير في الأمم المتحدة، وشخصيات دولية بارزة ذات خبرة تنفيذية أو مالية وتمثيل قوي للأعضاء المسلمين.
وبموجب الخطة لن يتم إجبار الفلسطينيين على مغادرة الأراضي الفلسطينية، ومن المتوقع 'توحيد جميع الأراضي الفلسطينية في نهاية المطاف تحت سلطة السلطة الفلسطينية'، وفقًا لصحيفة 'الغارديان' البريطانية.
ويذكر أن الدول الأوروبية والعربية تعارض فكرة "الوصاية الدولية" على القطاع، معتبرة أنها ستهمّش الفلسطينيين وتفتقر إلى الشرعية في نظر سكان غزة. وتدعو هذه الدول إلى أن تُدار غزة من قبل لجنة من التكنوقراط الفلسطينيين، على أن تحظى بدعم السلطة الفلسطينية التي تدير أجزاء محدودة من الضفة الغربية المحتلة.
دعم أمريكي..
يدعم البيت الأبيض توني بلير لإدارة غزة، وفقا لتقارير إعلامية تابعة للاحتلال الصهيوني، حيث تؤيّد إدارة ترامب الفكرة وطرحتها خلال اجتماع مع قادة الدول العربية والإسلامية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك مؤخّرا.

توني بلير من هو؟
النشأة والتعليم
وُلد توني بلير في العاصمة الأسكتلندية إدنبرة في عام 1953 لأب كان يعمل محاميا بالقضاء العالي وأكاديميا، ودرس بلير الابن القانون في كلية "سانت جونز" بجامعة "أكسفورد"، وأصبح محاميا بالقضاء العالي.
في بداية حياته، انحاز للسياسة العمالية، ثم انتخب في البرلمان عن "سيفيلد" في شمال شرق إنقلترا في عام 1983، وفيما بعد أصبح زعيما للمعارضة بعد انتخابه رئيسا لـ"حزب العمال" في عام 1994، بعد الموت المفاجئ لزعيم الحزب آنذاك، جون سميث.
وبعد 3 أعوام انتزع رئاسة الحكومة البريطانية من حزب المحافظين بزعامة جون ميقر، بعد حكم "المحافظين" نحو 18 عاما.

توني بلير مع زعيم حزب العمال مايكل فوت عام 1982
رئيسا للوزراء في ثلاث فترات
توني بلير رئيس وزراء بريطانيا لثلاث فترات رئاسية من عام 1997 وحتى 2007، ورئيس حزب العمال البريطاني من منذ عام 1994 وحتى عام 2007. ارتبط اسمه بالحرب على العراق عام 2003 وتحالفه مع الرئيس الأمريكي السابق جورج دبيلو بوش.
في العام 2007 استقال بلير من منصب رئيس الوزراء وزعامة حزب "العمال"، ليخلفه غوردون براون، الذي كان على علاقة مشحونة مع بلير منذ عام 1994.
وجاءت استقالة بلير بعد ضغوط مكثفة للتنحي بعد أن تراجعت شعبيته إلى أدنى مستوياتها، وعانى حزب "العمال"، الذي تولى بلير رئاسته من سياساته.
كما ساهمت الخسارة الكبيرة التي تعرّض لها الحزب في الانتخابات المحلية في ذلك الوقت، الى جمع تواقيع على عريضة تطالب بلير بالتنحي، وتسليم السلطة لوزير المالية جوردن براون.
بعد استقالته من رئاسة الوزراء، تم تعيين بلير مبعوثًا دوليًا لـ'اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط' والتي تضم: الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، وروسيا، من عام 2007 حتى 2015، وكان دوره الأساسي هو دعم جهود السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
معهد توني بلير للتغيير العالمي
أسس بلير معهد 'توني بلير للتغيير العالمي' (TBI)،وهي منظمة تعمل على تقديم استشارات في مجال ما تصفه بـ'الحكم الرشيد ومحاربة التطرف وتعزيز التنمية المستدامة' في عدة دول.
وعلى الرغم من خروجه من المنصب الرسمي، لا يزال بلير يحتفظ بنفوذ في الأوساط الدولية، غالبًا ما يتم دعوته للمشاركة في قمم سياسية واقتصادية كبرى، كمستشار أو متحدث في شؤون الشرق الأوسط.
بريطانيا في عهده.. 'نهضة لا تُغتفر'
رغم النمو الاقتصادي المتواصل الذي سجلته بريطانيا في عهد بلير، ونسبة البطالة المتدنية، والإصلاحات الواسعة النطاق التي أدخلها إلى الخدمات العامة فإن البريطانيون لم يغفروا له توريط بلادهم في الحرب على العراق، حيث قتل نحو 150 جنديا بريطانيا.
كما شهدت بريطانيا في عهده تدخلات خارجية عديدة مثل تدخّلاتها في كوسوفو وسيراليون، خلال الحرب على ما وصف بـ"الإرهاب". كما أيّدت السياسة الخارجية لإدارة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش دون تحفظ، وشاركت بريطانيا عسكريا في الحرب في أفغانستان خلال عام 2001.
وقوفه دون تردد إلى جانب السياسات الأمريكية، أمر لا يغتفر وفق البريطانيين، حتى إن صحافة بلاده وصفته بـ "كلب بوش المدلّل" بعد الحرب على العراق.

إرث العراق يُلاحق بلير.. 'جريمة لن تسقط بالتقادم'
إرث توني بلير الأكثر إثارة للجدل، كان زعمه وإصراره على امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، رغم عدم تقديمه أيّ أدلة على ذلك، وهو المبرر الذي أدى إلى الغزو الأميركي للعراق في عام 2003.
''نظام الرئيس العراقي صدام حسين يمتلك برنامج أسلحة دمار شامل نشيط''، ما انفك بلير يردّد هذا التصريح في كل مداخلاته تقريبا في تلك الفترة، وبان بالكاشف لكل العالم بعد الغزو عدم وجود أي مخزون أو برنامج لأسلحة الدمار الشامل في العراق.
''العراق سيبقى أكبر فشل في عهد بلير الذي لن يتمكن يوما من الخروج من ظله'، هكذا قال أستاذ التاريخ دومينيك ساندبروك في صحيفة "ذي أوبزرفر".

انحياز لا مشروط لواشنطن...
انحياز بلير لواشنطن لم يقتصر على العراق فقط، وإنما امتد أيضا للبنان فقد أيد الولايات المتحدة والاحتلال الصهيوني في شن الحرب على لبنان في جويلية عام 2006، وفي عزل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بعد فوزها بالانتخابات في فلسطين.
'كذوب صدوق '...
يُعرف بلير بأنّه خطيب يتقن حرفته، وينتقي كلماته بعناية على عكس إدارة بوش التي تفتقد للوضوح والتبرير في تلك الفترة، ما جعله ''مُقنع'' و''يكذب بصدق'' كما يصفه البعض .
ونال بلير ثمن انحيازه بعد تنحيه من رئاسة الوزراء، حيث منحته واشنطن جائزة ترضيه حين ضغطت لتعيينه في عام 2007 مبعوثا دوليا للجنة الرباعية الدولية الخاصة بالسلام في الشرق الأوسط.

غزة وعودته للساحة..
على وقع الحرب على قطاع غزة التي يشنها الاحتلال منذ السابع من أكتوبر 2023، عاد اسم بلير يتردّد في الساحة الدولية، حيث عقد عدة لقاءات مع قادة الاحتلال، في مقدمتهم الصهيوني نتنياهو، وكانت محورها دور الوسيط الذي سيلعبه بلير بين الاحتلال وبعض الدول العربية الوسيطة في خطة حل الدولتين، إضافة إلى خطة قبول بعض دول العالم للاجئين من غزة .
كما لعب بلير دور الوسيط في مفاوضات انهاء الحرب في غزة مع كل 'إرثه المتّسخ'، يعتبره حقوقيون 'جريمة حرب' تندرج في إطار مخططات الاحتلال لتعميق الإبادة الجماعية والتهجير القسري في صفوف الفلسطينيين.